وثيقة المطالب
أوردت جريدة النهار بتاريخ 10/2/1974 أن اجتماعا سيعقد بين الإمام الصدر والوزراء الشيعة الثلاثة: صبري حمادة وكاظم الخليل وعلي الخليل، وذلك في ضوء انتهاء المهلة الجديدة التي كانت قد مُنحت للوزراء الثلاثة لتنفيذ مطالب الطائفة أو الاستقالة وهي شهران، وقد تم تجديدها بعدما انقضت مهلة الأشهر الأربعة من دون أن تتحقق المطالب. ومع انقضاء المهل، عرض الإمام الصدر وثيقة المطالب على المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى من أجل إقرارها وإعلانها تمهيدا لاتخاذ الخطوات التالية المناسبة في حال استمرار السلطة في تجاهلها لهذه المطالب. وبعد إقرار هذه الوثيقة، أُعلنت ونشرت في الصحف اللبنانية، ومما ورد فيها: “المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى يعلن أنه لن يقبل عن الإنصاف بديلا في حقل الوظائف العامة، ورفض طائفية الوظيفة.. الدفاع عن حدود الوطن وعن سلامة المواطنين في أرجاء البلاد هي المسؤولية الأولى للسلطات”.
وطالب المجلس بحقوق المكتومين، كما طالب بضرورة تنفيذ مشاريع إنمائية في المناطق المحرومة والمتخلفة، ومنها: مشروع ري الجنوب من مياه الليطاني، وإلغاء جر مياه الليطاني إلى بيروت، مشروع البحيرات الاصطناعية الذي يروي أراضي قضائي صور وبنت جبيل، مشروع ري القاع الهرمل [سد العاصي] ولَحْظ الاعتمادات اللازمة لإنشاء خزان في بحيرة اليمونة القديـمة، مشروع إنشاء السدود في (نحلة – وادي سباط- جنتا- يحفوفا- شمسطار)، ومشروع ري سهل بعلبك من مياه رأس العين وغيرها من مشاريع الري.
وطالب المجلس بإعطاء الأولوية في إنشاء المدارس الرسمية والمهنية ودور المعلمين والمعلمات في الجنوب والبقاع وعكار وإنشاء المستشفيات والمراكز الصحية في المناطق المحرومة، وشبكات المجارير في تلك المناطق، وتنفيذ مشاريع أوتوسترادات، وتصحيح أوضاع مزارعي التبغ، وزيادة اعتمادات المشروع الأخضر، والاهتمام بالثروة الزراعية والحيوانية، ورصد الاعتمادات لإنهاء التنقيب عن الآثار في مدينتي بعلبك وصور، وإنشاء فندق سياحي في بعلبك، ودراسة شاملة للمناجم في مختلف المناطق اللبنانية وبصورة خاصة النفط، وتصحيح قانون توزيع أموال البلديات، ووضع قانون عفو عام عن مخالفات البناء لكي يتمكن سكان ضواحي بيروت وغيرهم من الاستفادة من المياه والكهرباء، وتصحيح أوضاع ضواحي بيروت.
وبمناسبة ذكرى وفاة الإمام زين العابدين(ع)، أقيم في بلدة بدنايل (البقاع) احتفال ديني حضرته حشود غفيرة من مناطق البقاع كافة. وتوجه إلى المسؤولين:
“لن نشكو بعد اليوم، ولن نبكي. يقولون إن اسمنا “المتاولة”! اسمنا ليس “المتاولة”! نحن اسمنا الرافضون المخالفون، الثائرون، الخارجون على كل طغيان، الواقفون في وجه كل طغيان من أية جهة أتى، ولو دفعنا ثمن ذلك دمنا وحياتنا!.. ما هو الهدف من سعينا؟ هل هو الهدم للهدم؟ أم الثورة للثورة؟ أم السلاح للسلاح؟ ليس في قاموسنا الهدم، ولا نريد إلا الخير للبنان. لا نريد إلا المساهمة في معركة العرب ضد إسرائيل. لا نريد إلا خدمة الإنسانية المعذبة أينما كانت. صبرنا كثيرا، نصحنا كثيرا، بحثنا كثيرا، درسنا كثيرا، فلم يعد الأمل في النصيحة والدراسة والطلب.. نريد حقنا كاملا غير منقوص لا بالوظائف فحسب، بل بعشرين مطلبا ضمناها وثيقة ولن نرضى عنها بديلا، وعليهم أن يحققوها، وإلا فلا ينتظروا منا شيئا، وسيكونون بعملهم السلبي يهدمون لبنان، لا نحن… الحرمان أن يولد الشيعي مصنفا… فنحن نرفض ذلك… هم يريدون هدم البلد! فلينسحبوا من الميدان، ويفسحوا المجال للذين يعملون، للشرفاء! لا طاقة لنا على الصبر! نفذ صبرنا! ..
خلال أربع سنوات، صرفت الدولة على مشاريع عمرانية… ماذا أصاب بعلبك والهرمل منها؟… الحرمان أن نأخذ من البقاع ومن الجنوب لنصرف في مناطق أخرى: هذا هو الحرمان! الجنوب بلا حماية، بلا دفاع! أبناؤه يسقطون برصاص العدوّ، ويبقى الجنوب للدمار: هذا هو الحرمان!
أيها الحكام! أين توزيع الموازنة؟ أين العدالة؟ أين حفظ حياة الناس؟ أين الكرامة؟ أين العزة؟ أين التخطيط؟ أين المشاريع؟ أين وحدة الكلمة؟ أين المدارس المهنية؟ أين الطرق؟ أين المستوصف؟ أين الأمانة التي حملكم إياها الشعب؟
أكثر الناس كلاما كنت أنا! دعوت إلى الهدوء، وما زالت حادثة دخولي تحت النيران في فتن أيار ونيسان وأيلول (1973) في ذاكرة الكثيرين… عندما أصابت اليمونة عاصفة ثلجية، كنت أول الداخلين إليها. وأمس تفقدت مراكز القصف الإسرائيلي على يارين والعرقوب. كنت أحضر، فماذا أفاد كل ذلك؟ لقد دعوت إلى الهدوء ما فيه الكفاية، ولن أسكت بعد اليوم!.. أيتها الأجيال الصاعدة! إذا لم تتحقق مطالبنا فسنعمد إلى انتزاعها! والحق يؤخذ ولا يعطى في هذا البلد!»
وأنهى الإمام الصدر: “هذا عهدي معكم… الكلمة التي أقولها إننا نريد تغيير هذا الفصل المخزي، ونصل إلى الحق كراما صادقين. وتأكدوا أن جميع الأخوة اللبنانيين والشرفاء في هذا البلد يؤيدون حقوقكم ومطالبكم…”.
وتكبر الصرخة في بلدة جبشيت في 25/2/1974 (النبطية) التي تحول فيها الاحتفال التأبيني بمناسبة ذكرى أسبوع إلى مهرجان حاشد، فيقول الإمام الصدر: “إن دولة عربية عرضت عليه تمويل مشروع الليطاني ومشاريع الري الملحقة به مهما بلغت النفقات، بفائدة قليلة جدا شرط ضمان نية التنفيذ”. وتحدث عن زراعة التبغ، فقال: “إن الذين يحملون توصية من المتنفذين ينالون أسعارا جيدة، أما البقية فلهم الغبن”.
وأشار إلى انعدام المشاريع الإنمائية والإنشائية في منطقتي الجنوب والبقاع قائلا : “سجلنا الأراضي باسم وزارة التربية لبناء المدارس، فماذا نُفذ من مشروع الخمس سنوات في الجنوب؟ تم بناء نصف مدرسة في بلدة القليعة”، ثم تحدث عن مشروع الليطاني، فأقسم بأن كل ما يقال عنه كذب وتضليل ولا وجود لخرائط وتصاميم مشروع الليطاني.
وأخيرا أطلق صرخته: “أنا سائر في هذه الطريق لا لجاه ولا لرغبة ولا لمال ولا لسياسة، وأذكر أن في هذه المعركة لا وجود للحلول الوسط، فانتظروا كلمتي كلمة الفصل، وسنبذل كل شيء في هذا السبيل، فالبلد إذا استمر هكذا، فإنه مقبل على الدمار، ونحن نريد أن نمنع الدمار. نريد أن نضع حدا للاستغفال الحاضر، فليسمح لنا المسؤولون أو لا يسمحوا، وليسمح لنا التاريخ أن ننفذ ما كان عليه أجدادنا”.
واستكمالا لحركته المطلبية، أجرى الإمام الصدر مجموعة زيارات ولقاءات، أبرزها:
زيارة السيد كمال جنبلاط.
زيارة العميد ريمون إده.
زيارة الرئيس صائب سلام
زيارة الرئيس عبد الله اليافي.
زيارة النائب أوغست باخوس.
زيارة نائب بيروت رشيد الصلح وبرفقته النائب السابق عبد المجيد الزين.
زيارة رئيس حزب النجادة عدنان الحكيم للإمام.
لقاء في منـزل الشيخ خليل خوري بين الإمام الصدر والنائبين رينيه معوض وبيارحلو، فؤاد بطرس وسليم الخوري.
زيارة الإمام الصدر للرئيس كميل شمعون في السعديات.
وفي إطار المتابعة للمشاريع التي طالب بها المجلس الشيعي، استقبل الإمام الصدر وزير الموارد جوزيف سكاف، حيث أبلغه أن وزارة الموارد ستطرح على التلزيم في وقت قريب مشروع الليطاني ومشروع اليمونة، وأنه تم صرف النظر نهائيا عن مشروع سحب كمية من الليطاني لمدينة بيروت. كما استقبل الإمام الصدر أركان مصلحة الليطاني في دار الطائفة بالحازمية وتم خلال الاجتماع مناقشة دراسات ري الجنوب من الليطاني. ومن جهة ثانية ترأس الرئيس سليمان فرنجية اجتماعا للوزراء والنواب الشيعة، حضره رئيس الحكومة، جرى خلاله البحث في المطالب الشيعية، وإنماء المناطق المحرومة، وتم تأليف لجنة برئاسة رئيس الحكومة وممثلين عن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى لدرس المطالب، وغاب عن الاجتماع كتلة نواب الرئيس كامل الأسعد.
كما التقى الإمام الصدر بالرئيس رشيد كرامي، وصرح بأن هذا اللقاء: «كان من المقرر أن يزينه السيد كمال جنبلاط الذي لم يتمكن من الحضور في آخر لحظة لأسباب طارئة، وهو من ضمن اللقاءات التي أقوم بها في المجلس الشيعي وخارجه مع قادة البلاد وزعمائها، ورغبة مني في إطلاعهم على تطورات حركة المطالبة والتوقعات التي قد تكون ذات تأثير على وضع البلاد».
والتقى الإمام الصدر برئيس حزب الكتائب الشيخ بيار الجميل في بكفيا، وأشار بعده الشيخ بيار الجميل: “إننا نضع يدنا في يد الإمام الصدر الأمينة لنصل إلى الهدف الذي يريده كل لبناني مخلص وشريف”.
أجرى رئيس الرابطة المارونية شاكر أبو سليمان مع الإمام الصدر سلسلة اجتماعات لمتابعة البحث في علاقة الدولة بالإمام، ثم حمل بعدها مطالب الإمام إلى القصر الجمهوري، وقد قسمت إلى قسمين: مطالب عاجلة ومطالب مؤجلة. كما جرت عدة لقاءات بين الإمام الصدر ورئيس الحكومة تقي الدين الصلح، وفيها أكد الإمام الصدر أن أبناء الطائفة هم أصحاب المطالب.